Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
نمط الحياة

«الحافلة الدراجة».. رحلة آمنة وصحية إلى المدرسة لأطفال برشلونة

تغادر الحافلة من الاثنين إلى الجمعة في 8:30 صباحاً، خارج سوق سانت أنتوني في حي إيكسامبل في برشلونة، لكن هذه ليست مركبة عادية، فهي تحتوي على مئات العجلات وعشرات السائقين، ولا يوجد بها ركاب. لكنها وسيلة النقل الممتعة والآمنة في برشلونة وتُعرف بـ«الحافلة الدراجة» التي تجعل الذهاب إلى المدرسة يبدو وكأنه حفلة مدرسية.

واجتمعت مجموعة مكوّنة من نحو 60 أباً وطفلاً تراوح أعمارهم بين ثلاثة و11 عاماً على دراجات هوائية وأخرى آلية، في صباح أحد أيام سبتمبر الباردة، وذلك في ساحة بلاسا كونكسيتا بيريز للقيام بجولة مدرسية. وبما أنه يوم الجمعة، فقد بدا المزاج لدى الجميع وكأنه احتفالياً، حيث يتم تشغيل أغنية «ارقص في الليل» للمغنية الإسبانية دوا ليبا.

ويقول أحد منظمي هذه «الحافلة الدراجة»، جينيس دومينغيز: «عندما بدأنا هذا النمط من التنقل قبل عامين، شارك ما بين 20 و30 شخصاً، لكن أصبح هناك ما بين 60 و70 شخصاً حالياً. ويضيف موضحاً أن الفكرة موجودة منذ تسعينات القرن الماضي على الصعيد المحلي، وقد بدأت منذ ثلاث سنوات في بلدة فيك الكتالونية.

ولكن دومينغيز يضيف أنه تعين عليهم تكييف الفكرة حتى تنجح في حيّهم، واسمه إيكسامبل (ويعني الامتداد)، وهو نظام شبكي من الشوارع أدت إلى مضاعفة مساحة برشلونة في نهاية القرن التاسع عشر. وتم تصميم الشوارع حول ما كان يعرف حينها بأنه مفاهيم راديكالية للصحة العامة، وكانت الشوارع واسعة لتوفر للمواطنين مساحة للتنفس، مقارنة بحدود البلدة القديمة المكتظة بالسكان، واليوم تختنق هذه الشوارع نفسها بحركة المرور.

أرضية مشتركة

وعلى الرغم من أن حركة «الحافلة الدراجة» في بلدة فيك تتبع شوارع ضيقة أو ممرات للدراجات، فإن الطريقة الوحيدة للتحرك بأمان في حي إيكسامبل – مع الازدحام الشديد لحركة المرور السريعة – هي احتلال الطريق بأكمله، والتعامل مع «الحافلة الدراجة» كمركبة واحدة. ويقود المجموعة شخص أو شخصان بالغان، مع وجود شخصين أو ثلاثة آخرين في كل جانب. وتظهر سيارة للشرطة في المؤخرة لإبعاد أي سائق سيارة نفد صبره، وحاول الاقتراب من «الحافلة الدراجة».

وتقول ميريا بويكس، وهي زميلة دومينغيز: «أرسلت الشرطة الكثير من الوحدات في البداية، تسير في الأمام والخلف وعلى الجوانب. ونحن رفضنا دوريتين بالسيارات ودراجتين آليتين. وتحدثنا معهم، وكنا نحاول دائماً إيجاد أرضية مشتركة بيننا، واتفقنا على دورية سيارات واحدة في الخلفية.

ويقوم الدراجون البالغون على الجانبين، بمنع مرور أي شخص متطرف يريد الاقتراب من دراجات الأطفال، وأيضاً منع أي شخص من تجاوز إشارات المرور. وبصرف النظر عن سيارة الشرطة، تتم إدارة العملية بأكملها من قبل الآباء، من خلال مجموعة يطلق عليها «واتساب». وهي مفعمة بالحيوية، لكنها منظمة بشكل مدهش، ولا يوجد صراع يذكر مع سائقي السيارات، ويمكن القول إنه لا يوجد صراع على الإطلاق.

لحظة ممتعة

ومن الواضح أيضاً، أنها لحظات ممتعة للغاية في يوم الطفل، ويمكن أن تشجعه على الذهاب إلى المدرسة. ويقول التلميذ، أليكس هورتادو (تسعة أعوام): «أكثر ما أحبه هو الدردشة مع أصدقائي أثناء ركوبنا دراجاتنا». وتقول التلميذة ريتا كامبروبي (سبعة أعوام): «بالنسبة لي أفضل شيء هو أن نتمكن من تشغيل الموسيقى، ونتمكن من اختيار الأغاني التي نريدها». وتقول التلميذة جانا كامبروبي (أربعة أعوام): «أكثر ما يعجبني في (الحافلة الدراجة) هو مقابلة فتيات وأولاد لا أعرفهم، والتعرف إليهم من مدارس أخرى». وتضيف شقيقتها: «أكثر ما أحبه هو الركوب في المقدمة، وكأنني السائق».

ويوجد الآن نحو 15 طريقاً لـ«الحافلة الدراجة» في المدينة، وتعمل يومين أو ثلاثة في الأسبوع (نظراً لأن معظم الأطفال لديهم أنشطة خارج المنهج، مثل دروس الرياضة أو الموسيقى بعد المدرسة، ولا ينتهون من نشاطاتهم جميعاً في الوقت نفسه، فلا توجد حافلة دراجة لرحلة العودة إلى المنزل). ويحظى طريق سان أنتوني بشعبية خاصة، لأن معظم الأطفال لديهم عبور شارع مكوّن من ست حارات وشارعين مكوّنين من أربع حارات للوصول إلى المدرسة. ويبقى البديل هو وسائل النقل العام أو الذهاب سيراً على الأقدام. وقلة من الآباء يوصلون أطفالهم بالسيارة إلى المدرسة في برشلونة. وتُقدِّر شبكة «الحافلة الدراجة» في برشلونة أنه قيم بنحو 15000 رحلة خلال العام الدراسي الماضي.

ويجذب البرنامج اهتمام كثيرين، إضافة إلى عدد من المقلدين في إسبانيا وخارجها، الذين يريدون تطبيقه في بلادهم. وتقول يوكس إنهم تلقوا استفسارات وزواراً من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وألمانيا. وتضيف: «إنه نموذج يسهل تكراره في أماكن أخرى».

ويقول معلمو المدارس إن الأطفال يصلون أكثر نشاطاً وانتباهاً عند استخدام «الحافلة الدراجة»، على الرغم من وجود مشكلة ليست سهلة تتمثل في أن مدارس المدينة ليست لديها مساحة كافية لتخزين الدراجات. ويذهب معظم الأطفال على طريق سان أنتوني إلى مدرستي زيريناكس وإنتينسا، بجوار سجن «لا موديل» السابق، ما يتيح لهم مساحة لركن دراجاتهم.

ويقول دومينغيز إنهم طلبوا من مجلس المدينة توفير مواقف آمنة للدراجات. ويضيف أن «الحافلة الدراجة» هي جزء من حملة أوسع لجعل المدينة أكثر ملاءمة للأطفال. ويقول: «منذ البداية، كانت رسالتنا إلى مجلس المدينة، هي أن الأطفال لا يستطيعون ركوب الدراجات بأمان في المدينة، وهو جزء من خطاب أوسع حول عدم اهتمام المدينة بالأطفال وسلامتهم».

ولتحقيق هذه الغاية، قدّمت شبكة «الحافلة الدراجة» سلسلة من المقترحات إلى مجلس المدينة، لجعل الطرق أكثر أماناً للأطفال. وتشمل المقترحات مزيداً من ممرات الدراجات (وتزايدت شبكة ممرات الدراجات من 120 كيلومتراً إلى 275 كيلومتراً على مدى السنوات العشر الماضية)، إضافة إلى التشديد على الحد الأقصى للسرعة والبالغ 30 كيلومتراً في الساعة، وتعزيز مسارات «الحافلة الدراجة» الجديدة وإجراءات إضافية لحماية راكبي الدراجات الشباب، مثل السماح لراكبي الدراجات الذين تراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً بممارسة هذه الهواية على الرصيف.


رحلة آمنة وصحية

ليس ركوب الدراجة في «إيكسامبل» المزدحم عادة بالسيارات، في مجموعة من عشرات الأطفال الصغار أمراً ممتعاً فحسب، بل إنه يُشعر الأطفال بالنشاط والسيطرة على الشوارع، وإضفاء طابع إنساني عليها، ولو لمدة 20 دقيقة فقط. ويتفق جميع المشاركين على أنه إضافة إلى توفير رحلة آمنة وصحية إلى المدرسة، فإن «الحافلة الدراجة» تزيد الشعور بالانتماء للمجتمع، وتعني أيضاً أن الأطفال من مدارس مختلفة (هناك ثلاث مدارس على طريق سان أنتوني) يتعرفون إلى بعضهم بعضاً.

وتقول مستشارة السياسة الاجتماعية، روزا سوريناتش، وهي تركب الدراجة مع ثلاث بنات: «في حي مثل إيكسامبل يكون من الصعب على الأغلب الشعور بالراحة».

التشجيع على التنقل المستدام

ركوب «الحافلة الدراجة» أمر ممتع بالنسبة للأطفال، وهي صديقة للبيئة، كما أن شعبيتها تزداد يوماً بعد يوم.

وبات البرنامج معروفاً على نطاق محلي، حيث يسمح للمئات من الأطفال بركوب الدراجة بأمان إلى المدرسة في قافلة، ويسيطرون على شوارع بأكملها في برشلونة، ثاني أكبر مدينة في إسبانيا.

وحظي هذا المشروع الذي قاده المواطنون بدعم من مجلس مدينة برشلونة في مارس 2021، وبعد أن كانوا يستخدمون طريقاً واحداً في حي ساريا، أصبحوا يستخدمون الآن 15 طريقاً، وكانوا بمثابة نموذج يحتذى لبرامج مشابهة في مدينة غلاسكو الإسكتلندية، وفي بورتلاند في الولايات المتحدة.

وتنضم التلميذة لينا اكسيرناكس، إلى حي إيكسامبل، كل يوم جمعة، مع والدها بابلو اكسيرناكس، وهو أحد المتطوعين الذين يضمنون بقاء الأطفال آمنين على الطريق. وقال بابلو: «إنها تستيقظ فرحة. ويمكن أن تستخدمها كعذر كل يوم جمعة، لهذا فإنها تقفز فرحة من سريرها».

ويبدأ طريق إيكسامبل في الثامنة والنصف صباحاً، ويغطي 2.5 كيلومتر خلال 25 دقيقة، حيث يتم إيصال الأطفال إلى ثلاث مدارس بين يومي الاثنين والجمعة. ولا تعمل كل الطرق بصورة يومية.

ويتم ضمان سلامة الطريق من قبل سيارات الشرطة في برشلونة التي ترافق الدراجات، إضافة إلى الوالدين اليقظين والمهتمين بسلامة أطفالهم مثل اكسيرناكس، وهو واحد من 80 والداً يتطوعون في المدينة كي يرافقوا قوافل الدراجات التي يركبها الأطفال الصغار للوصول إلى مدارسهم.

ويهدف مشروع «الحافلة الدراجة» إلى تشجيع مزيد من عادات النقل المستدامة على الأمد البعيد، بين مستخدميه، وفق ما قاله مخطط المدن وكبير الباحثين في معهد علوم البيئة والتكنولوجيا في جامعة برشلونة، جوردي هوني روزيز: «نحن نتوقع أن يكون الأطفال الذين يشاركون في مشروع (الحافلة الدراجة) مؤهلين أكثر لركوب الدراجة، وأن تكون لهم عادات أفضل لركوب الدراجة، ونحن نعتقد أنهم سيغيّرون أنماط السفر لعائلاتهم أيضاً».

«حركة عالمية»

يقول منظم «الحافلة الدراجة» في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، بيتر بيلدن: «أحب الحرية والاستقلالية و(الحافلة الدراجة) تمنح الآباء والأطفال ذلك، لأن الأطفال يستمتعون كثيراً عند ركوبهم (الحافلة الدراجة)». وأسس بيلدن منظمة «أطفال آمنون»، وهي مكرسة لجعل شوارع سان فرانسيسكو آمنة للأطفال، وتخفيف الحواجز أمام استخدام الدراجات.

ويتناقص تعداد الأطفال الذين يمشون في الطريق إلى المدرسة في الولايات المتحدة، حتى أصبحوا جزءاً يسيراً للغاية مما كانوا عليه قبل عقد من الزمن. ولكن مع حافلات الدراجات، يصعب على سائقي السيارات تجاهل مجموعات راكبي الدراجات. وفي بعض الأحيان تشغل «الحافلة الدراجة» عرض الطريق بالكامل، ما يترك مساحة كافية لعدد قليل من الآباء لرعاية مجموعات أكبر من الأطفال بأمان.

وكانت المعلمتان هيلينا فيلارديل، وميرغابو، تبحثان عن طريق آمن لمجيء تلاميذهما إلى المدرسة بالدراجات. وشكّلتا منظمة غير ربحية يطلق عليها اسم «كانفيس إن كادينا» في يونيو 2021 تعمل في مجموعات في أوروبا والولايات المتحدة وفي الهند، لمن يريد البدء في مشروع «الحافلة الدراجة». وقالت المعلمتان: «سيكون ذلك حركة عالمية».

• 15000 رحلة ضمن برنامج «الحافلة الدراجة» خلال العام الدراسي الماضي.

• يقوم الدراجون البالغون – على الجانبين – بمنع حركة المرور لأي شخص متطرف يريد الاقتراب من دراجات الأطفال.

• يوجد الآن نحو 15 طريقاً لـ«الحافلة الدراجة» في برشلونة، وتعمل يومين أو ثلاثة في الأسبوع.

تريد برشلونة تشجيع ركوب الدراجات بأمان في المدينة. أرشيفية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى